فاستمري أختي المتسابقة في السباق و لا تنقطعي ، فكل يوم تقضيه في غير طاعة مولاك فقد خسرتيه ، و كل ساعة تغفلي عنها عن ذكر الله تكون عليك حسرة يوم القيامة .
رسوم الإشتراك في هذا السباق :
أختي المتسابقة : لسباقنا رسوم لا بد أن تدفعيها إن أردت دخول السباق و المنافسة عليه ، و هاهي الرسوم :
(1) أن تكوني ذات قلب حر طليق لا يعرف أسر المادة و لا قضبان الشهوة ، لأن القلب المحبوس خلف أسوار الشهوة لا يمكن له أن يتسابق أو ينافس ، و لا يمكن له و هو مكبل بالقيود أن يتقدم لإحراز الغاية و بلوغ خط النهاية .
و اعلمي أختي المتسابقة ، أن الطريق إلى المنافسة على الجنة و المسارعة إليها شاق و ثقيل ، و يحتاج منك إلى مجاهدة النفس على الطاعة و العبادة و كبح جماحها و ترويضها على المسارعة إلى الخيرات و الإكثار من القربات ، كما يحتاج منك إلى الصبر عن الشهوات و المعاصي ، لأن الشهوات بمثابة الحبة داخل الفخ يراه الطائر و لا يرى الفخ لغلبة الشهوة على قلبه و تعلق باله بها ، فكوني كيسة فطنة ، و لا تقعي في الفخ ، و تذكري قول النبي صلى الله عليه و سلم " حفت الجنة بالمكاره و حفت النار بالشهوات " [ رواه مسلم .
فإن أردت أختي الحبيبة أن يكون لك نصيب من هذا السباق فلا بد أن تجاهدي نفسك و هواك ، و تخافي شيطانك و دنياك ، و تؤثري أخراك على دنياك حتى تكون الجنة نزلك و مأواك .
أختي الحبيبة : إن الجنة غالية لا يتوصل إليها إلا بكل غال ، و لا تشترى إلا بأغلى الأثمان ، فإن كنت تريدين أن تحجزي لنفسك مكاناً فيها فلا بد أن تقدمي الثمن ، و النعيم كما يقول ابن الجوزي رحمه الله لا يدرك بالنعيم .
(2) أن تكوني ذات قلب متيقظ غير غافلة أو لاهية ، فلا مجال في سباقنا للغافلين و لا مكان للاهين .
إن يقظة القلب و عدم غفلته تدفع المتسابق نحو مواصلة السباق إلى الجنات ، و بذل كل ما في الوسع من أجل الفوز به ، و لا تهدأ النفس إلا عند أول قدم يضعها في الجنة ، عندما تبشره الملائكة ( و أبشروا بالجنة التي كنتم توعدون ) ..
(3) أن تعرفي العقبات التي يمكنها أن تواجهك في سباقك نحو الجنان :
* و أول هذه العقبات : و أخطرها الشيطان .. فهو يراقب خطواتك خطوة خطوة ، و ينصب لك الكمائن ، و يعرقل سيرك ، فهو واقف لك بالمرصاد ، فاغر فاه على قلبك ، إذا ذكرت الله خنس ، و إذا غفلت وسوس .
* و ثاني هذه العقبات : نفسك التي بين جنبيك ، فهي أعدى أعداؤك ، فكوني أختي المتسابقة على حذر من نفسك و حاسبيها ، و تعلمي من هذا الرجل كيف كان يعاقب نفسه ، كان الأحنف بن قيس لا يفارقه المصباح بالليل ، فكان يضع إصبعه عليه و يقول لنفسه : ما حملك على أن صنعت كذا و كذا في يوم كذا ؟ . .
و ثالث العقبات التي تعترض طريق سباقك إلى الجنة إتِّباع الهوى و يصرف العبد عن اتباع الحق ، و يفسد العقل و يورث النفس الغفلة عن عيوبها ، و يعمي البصيرة عن آفاتها .
جائزة السباق : أما جائزة السباق فهي : رضا الله و الفوز بالجنة التي هي أمنية كل مؤمن و حلم كل مسلم و مطلب كل حي و فوز كل عامل ، التي من أجلها تنافس المتنافسون ، و تسابق المتسابقون ، و صام الصائمون ، و عمل العاملون .
و النجاة من النار التي هي دار الذل و الهوان ، و العذاب و الخذلان ، و العقاب الشديد ، و الخزي العظيم ، و الخسران المبين : قال تعالى : ( فمن زحزح عن النار و أدخل الجنة فقد فاز ) [ آل عمران : 185 ] ..
هذا هو الفوز الحقيقي : الذي ليس بعده خسارة ، و السعادة العظمى التي ليس بعدها شقاء ، و النعيم الذي ليس بعده نعيم ، قال تعالى : ( فأما الذين شقوا ففي النار لهم زفير و شهيق * خالدين فيها مادامت السماوات و الأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد * و أما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات و الأرض إلا ما شاء ربك عطاً غير مجذوذ ) [ هود : 106 ـ 108 ] ..
نسأل اله تعالى أن يجعلنا من الفائزين في هذا السباق ، إنه ولي ذلك و القادر عليه ، و صلى الله و سلم على نبينا محمد و على آله و صحبه و سلم ...